نعم، الأمر صعب، والواقع أصعب، ولا مفر مما كسبت أيدينا من سكوت شعوبنا على زعماء ليسوا إلا حراسًا على زنازين سجون واسعة وضيقة الأفق، مكثنا فيها لسنوات وسنوات، والجهة التنفيذية الوحيدة هي الكيان الصهيوني.
طوال الأعوام السابقة ونحنُ راضخون للظلم، نرى أنه لا تعليم جيد، ولا صحة جيدة، ولا أي نظام يحترم هذا الشعب ويجعل المواطن يشعر بحق أنه مواطن، وأنه في دولة. لا تستغرب وتقول: ما علاقة هذا بالصهاينة؟
أشهد لبني صهيون بالعزيمة والإصرار، فلا يملّون ولا يرهقون، ولا بديل لديهم عن تحقيق رغباتهم في الاستيطان وإنشاء دولتهم المزعومة. منذ أربعينات القرن الماضي، وهم مصرّون على شيء واحد لم يتحقق بعد، لكنه في طريقه للتحقق، وهو "من النيل إلى الفرات".. ووعد الله حق، ووعد الله المجتهد أن يصل إلى وجهته في النهاية.
فالله عادل لا يظلم أحدًا. وهم اجتهدوا وصبروا، ولم يرضوا حقًا بالذل ولا الهوان، وساعون إلى هدفهم.
أما نحن، فشعوبٌ بُرمجت على الهوان والذل، على المستشفيات الحكومية التي لا تقل عن المشارح في شيء، تربّينا على أن التعليم عبارة عن درس ننساه قبل الامتحان بليلة أو بعده. فلم يتم تربية شعوبنا على الكرامة ولا العزة، بل على الهوان والذل في كل شيء.. حتى قبل أن يخرج الطفل من رحم أمه، فهو يتعرض لأهوال المستشفيات الحكومية وهو في الرحم.
أفقدونا ديننا، وترى الآن أناسًا محبوسين ليس لهم علاقة بأي شيء، إلا أنهم يملكون لسانًا جيدًا يصل إلى القلب فقط، فلا يريدون لهذه الشعوب أن تسمع، فإذا سمعت فكرت، وإذا فكرت انقلب الحال.
الفكر هو العدو الأول لبني صهيون، والخطر الحقيقي الذي يواجهونه هو الفكر، فنزعوا عنا الفكر، ووضعوا أفكارًا مصطنعة لا تجعلنا إلا ننام على بطوننا مقابل لقمة عيش أو شربة ماء.
وكل هذا صنع من الإنسان العربي مواطنًا غريب الملامح، جبانًا لا يؤمن حق الإيمان بالله ولا حتى بالعلمانية، إنسانًا لا يؤمن بأي شيء، إنسانًا ليس لديه وقت حتى يفكر في أن يؤمن، فصنعوا من حياته عجلة دوارة يجري فيها كالفأر، يخشى أن يسقط. فأساسيات الحياة أصبحت رفاهيتنا، وهذه هي لعنة عقدنا الأول، فنحن نرضى بالاحتلال والاغتصاب مقابل ألا نموت، مقابل ألا نجوع.
أوروبا حققت ما حققت بالتضحية والدم.
وحتى من سوء الفكر أن نرضى بالاحتلال مقابل لقمة العيش، وبعدها سيتم تنفيذ حكم الإعدام فينا. حكم الإعدام في كل الحالات سينفذ، لأننا رضينا بأن نضع رقابنا تحت سنام المحتل.
ولا يوجد أحد في أمان، ونحن لسنا في أمان إلا لأننا رضينا بأن نغمض أعيننا ونسدّ آذاننا. فإذا فكرنا – مجرد تفكير – في المطالبة بحق، ليس في الانتصار أو الإعداد أو التجهيز، بل فقط في إصلاح منهج تعليمي أو تجديد مستشفى حكومي، فسنُحارب.
فلا مفر.
0 التعليقات
إرسال تعليق