مدى صحة رواية لقاء البابا ديمتريوس الثاني مع السلطان عبد العزيز: دراسة نقدية بين المصادر الكنسية والوثائق التاريخية
المقدّمة
تعدّ العلاقة بين الكنيسة القبطية والدولة العثمانية خلال القرن التاسع عشر موضوعًا مهمًا في دراسة تاريخ مصر الحديث. ومن أبرز الروايات المتداولة في المصادر الكنسية أن البابا ديمتريوس الثاني (البطريرك رقم 111) التقى السلطان العثماني عبد العزيز أثناء حضورهما افتتاح قناة السويس عام 1869، وأن هذا اللقاء أسفر عن منح السلطان ألف فدان للمدارس القبطية.
ومع أن هذه الرواية شائعة داخل الأدبيات الكنسية، إلا أنها لا تظهر في أي مصدر تاريخي رسمي عثماني أو أوروبي أو مصري من خارج الكنيسة.
يهدف هذا البحث إلى تقييم هذه الرواية من خلال مقارنة المصادر الكنسيّة بالمصادر التاريخية المستقلة، مع تحليل زيارات السلطان عبد العزيز لمصر والوثائق المتعلقة بافتتاح قناة السويس.
الفصل الأول: الخلفية التاريخية
1. البابا ديمتريوس الثاني (1861–1870)
تولى الكرسي المرقسي في فترة اتسمت بالتحولات السياسية الكبيرة في مصر. كانت علاقته بالخديوي إسماعيل علاقة احترام عام، ولم تُسجل خلافات دينية أو سياسية بارزة في عهده. لعب دورًا روحيًا وإداريًا داخل الكنيسة، لكن لم تكن له تدخلات سياسية مؤثرة.
2. السلطان العثماني عبد العزيز (1861–1876)
كان عبد العزيز أول سلطان عثماني يقوم بجولات بحرية واسعة حول الإمبراطورية. عرف عنه اهتمامه بمصر كولاية مهمة، وزارها مرتين رسميًا:
الزيارة الثانية: 1867
سُجلت هاتان الزيارتان بدقة في الوثائق العثمانية وفي الصحافة المصرية ("الوقائع المصرية").
الفصل الثاني: افتتاح قناة السويس (1869) وحضور الشخصيات
1. قوائم المدعوين
وثّقت الصحف الأوروبية والفرنسية ومذكرات ديليسبس قوائم المدعوين إلى افتتاح قناة السويس، وضمت:
إمبراطور النمسا فرانتس جوزيف
ولي عهد بروسيا
أمير هولندا
وفود أوروبية وآسيوية
الخديوي إسماعيل (صاحب الدعوة)
2. غياب السلطان عبد العزيز
تؤكد السجلات الرسمية أن:
أرسل وفدًا عثمانيًا رسميًا بدلًا من الحضور.
لم يُذكر اسمه في أي جريدة أوروبية ضمن الحضور.
لم تُشر "الوقائع المصرية" إلى وجوده.
مذكرات ديليسبس صنّفته ضمن “المدعوين الغائبين”.
النتيجة:
السلطان عبد العزيز لم يحضر افتتاح قناة السويس، وبالتالي لا يمكن أن يكون قد التقى البابا ديمتريوس الثاني في هذا الحدث.
الفصل الثالث: الرواية الكنسية وتحليلها
1. ما تقوله المصادر الكنسية
تذكر عدة مواقع كنسية مثل الموقع الرسمي للكنيسة القبطية وSt-Takla أن البابا:
صافح السلطان عبد العزيز
حصل منه على “ألف فدان” لدعم المدارس
2. مشكلة هذه المصادر
ظهرت الرواية بعد عقود طويلة من الحدث، مما يضعف قيمتها كمصدر أولي.
تعتمد بشكل شبه كامل على النقل الشفهي والقصصي.
3. غياب الرواية عن المصادر المصرية المعاصرة
كتب تاريخية مصرية معاصرة للحدث، مثل:
تاريخ مصر في عهد إسماعيل باشا للأمير عمر طوسون
لم تذكر أي لقاء بين البابا والسلطان.
الفصل الرابع: هل حدث لقاء في زيارة أخرى؟
قد يكون لقاء غير رسمي ممكنًا نظريًا خلال:
أو وفد شعبي
لكن:
ولا ذكر في أي صحيفة
ولا أي وثيقة عثمانية
ولا حتى إشارة في مراسلات الخديوي
إذن:
اللقاء غير مثبت إطلاقًا.
الخاتمة
بعد تحليل جميع المصادر، يمكن الوصول إلى النتائج التالية:
لا توجد أي وثائق غير كنسية تثبت حصول لقاء بين البابا ديمتريوس الثاني والسلطان في أي وقت.
الروايات الكنسية متأخرة وغير موثقة، وتعتمد على النقل الشفهي وليس على وثائق أولية.
أقصى ما يمكن قوله علميًا:
قد يكون حدث لقاء غير رسمي في زيارة 1863 أو 1867، لكنه غير مثبت بالوثائق.
النتيجة الأكاديمية النهائية:
الرواية غير صحيحة تاريخيًا، ولا تعتمد على مصادر محايدة أو أرشيفية.
تعليقات
إرسال تعليق